بائعات التبغ المحلي في مواجهة كوفيد19
تداعيات اقتصادية كثيرة عاشها العالم جراء انتشار جائحة كوفيد19 وما خلفه ذلك من أضرار يعتقد الكثير من الخبراء الإقتصاديين والمحللين بأنها ستستمر لسنوات عديدة، ضاغطا بذلك على كاهل الفئات الأقل دخلا من أصحاب المهن والحرف الصغيرة والمحدودة.
أم الخير(ربة أسرة) وصاحباتها من العاملات في مجال تحويل التبغ المحلي المعروف بــ”امنيجة” المصنفات اقتصادية ضمن القطاع غير المصنف، شاءت ظروف الجائحة أن يتوقف عملهن ردحا من الزمن رغم ضائقة الظرف الإقتصادي لنساء ليس لهن من معيل سواء أنفسهن وما جناه عرق الجبين، تقول أم الخير “لا زلت أتذكر كل ما حدث وكأنه قد حدث البارحة تحديدا، كورونا كان بالنسبة لنا بمثابة الطاعون، لكنه طاعون من نوع آخر، لقد أتى على كل شي، فكما كان سببا في فقداننا لأعزاء كثر تغمدهم الله بواسع رحمته، فقد كان أيضا سببا في فقداننا لمصادر رزقنا، لولا قيم الإيثار وطابع التضامن الذي يتمتع به مجتمعنا، لقد كانت فترة صعيبة فعلا جفت خلالها أوراق التبغ وضافت اليد وصعب المعاش”
عن البدائل التي أتيحت لأم الخير في ظرف عويص كهذا الذي تسبب فيه كوفيد19 تقول أم الخير: “رغم أن هذا الوباء باغت الحكومات وترساناتها الطبية والاقتصادية، غير أنني لا أنكر أنني كنت من بين كثيرات استفدنا من تقسيمات اقتصادية معتبرة قامت بها الحكومة ممثلة الوكالة الوطنية للتضامن الاجتماعي “تآزر” وإعانات أخرى قامت بها وزارة العمل الاجتماعي والأسرة، وبالرغم أنها مساعدات وقتية وليست للأمد البعيد إلا أنها أسهمت ولو قليلا في التعامل مع ذلك الظرف الصعيب الذي صاحب الجائحة”
السالمة منت عبد الله (أرملة) بائعة متجولة لمادة التبغ عديم الدخان(الشم) كانت تجد في تجمعات ترفيه لاعبي الشطرنج التقليدي المعروف ب”ظامت” فرصة لبيع ما في جعبتها من حزم التبغ عديم الدخان، “لكن الوضع تغير كليا” تقول السالمة متحسرة، ثم تضيف ” لم تعد هنالك تجمعات من هذا القبيل منذ أن فرضت الحكومة التباعد الاجتماعي إضافة إلى الحظر الذي كان يبدأ أحيانا من منتصف النهار تقريبا، وقبل المساء بقليل في أحايين أخرى، وهو ما لم يعد معه من الممكن إطلاقا وصولي إلى الفئة المستهدفة بهذا النمط من التجارة” وتضيف السالمة “أصبح مجال نشاطي محصورا في أشخاص معيين لي بهم سابق معرفة أو قرابة، وهؤلاء لا يشترون بشكل يومي، إضافة إلى أنهم لا يشترون إلا قليلا وفي أوقات محددة ونادرة جدا” متحسرة تسترسل السالمة في حديثها “حين حاولت التحول من هذه التجارة إلى نمط آخر وجدت أن كل فرص العمل المتاحة لي قد تضررت بفعل الجائحة فاكتفيت بالصبر على ما هو متاح إلى أن تفرج الظروف”
مع تفاقم الجائحة وإرخاءها لسدولها على جميع مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية وما خلفه وقع ذلك من أضرار جسيمة في دخل الفئات الأقل دخلا، سعت الوكالة الوطنية للتضامن ومكافحة الإقصاء “تآزر” وبالمشاركة مع عدة قطاعات وزارية أخرى إلى تنظيم حملة توزيع تحويلات نقدية على الأسر الفقيرة والأكثر تضررا من تداعيات كوفيد19، وقد استفاد من هذه التحويلات أكثر من 200 أسرة حسب تصريحات المندوب العام للتآزر أنذلك السيد محمد محمود ولد بو عسرية، وقد كانت الفرصة مواتية لأم الخير وبعض العاملات معها في مهنة تصنيع التبغ (امنيجة) القاطنات في أطراف المدينة، وتحديدا ترحيل 18، فقد استفدن من التحويلات المالية التي قامت “التآزر” بتوزيعها.
يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر محمد أن هذه التقسيمات رغم أهميتها، يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال بديلا عن الدخل اليومي الذي كانت توفره هذه المهن العادية جدا لمرتاديها “رغم محمدودية هذا الدخل” يضيف عبد القادر، ويستأنف قائلا “الحل الأمثل في ظرف كهذا هو تقديم تمويلات صغيرة لهؤلاء النسوة كي يبدأن في بناء مشاريعهن من جديد وتطويرها وفق ما تتطلبه ريادة الأعمال وتسيير المقاولات والمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر”
مثيلات أم الخير والسالمة منت عبد الله كثيرات ممن وضعتهم صروف الدهر في ظرف كهذا بفعل الجائحة، فهل تنفرج ظروفهن مع انفراج الجائحة؟ سؤال تطرحه أم الخير وتجيب نفسها قائلة “نأمل من الله ذلك، ونرجوا أن تلتفت إلينا الدولة التفاتة طويلة الأمد من شأنها أن تغير وضعنا الإقتصادي إلى الأحسن.
محمد محمود محمد البشير
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .