من الواقع إلى الافتراضي…تأثيرات كوفيد19 على السوق الموريتاني

“بفضل السنوات التي قضيتها على منصات التواصل الاجتماعي، وما استفدته من متابعة أسواق البيع والشراء عن طريق النت استطعت أن أنجو من خسائر اقتصادية كبيرة كنت عرضة لها كتاجر محل وعامل بالسوق الكبير” بهذه العبارات يستهل محمد بلال(27 عاما) حديثه معنا عن تحول أنماط البيع والشراء المحلية، من تجارة السوق الواقعية، إلى عوالم البيع والشراء عن طريق الأنترنت.

“لم تكن السوق الإلكترونية قد لاقت رواجا في الأوساط الموريتانية بقدر كبير قبل الجائحة” يضيف محمد بلال “ومع فرض الإغلاق الجزئي ومنع التجمهر في الأسواق والأماكن العامة، مما جعلنا كتجار وأصحاب رؤوس أموال صغيرة نقف على شفى حفرة من الخسائر المادية المادية المحتملة، أغلقت الأسواق وعاد الجميع إلى منازهم، وقد كانت فرصة لملئ الفراغ من خلال تعلم الجديد واكتشاف خبرات من شأنها أن تعوض الخسائر التي اعترضتنا بسبب ظرف الجائحة”

استطاع محمد بلال الإستفادة من التكوينات المتاحة على وسائط التواصل الاجتماعي واستغلال منصات التواصل الاجتماعي الموجودة على هاتفه، فالسوق الجديدة التي فرضتها الجائحة ستعفيه من استئجار محل في السوق إضافة إلى دفع فواتير الكهرباء والضرائب المترتبة على عرض بضاعة ما في السوق.

يقول محمد بلال: “إضافة إلى كوني من مستخدمي الفيسبوك والواتساب وانستغرام، والدروس التي اكتسبتها من خلال منصات التعلم على الأنترنت كمنصة “رواق” ومنصة “فرصة” خاصة في مجال التسويق الالكتروني، فقد تمكنت من تجربة سريعة عبر الأنترنت في مجال المونتاج والتصميم على الهاتف، وهو ما سمح لي بعرض بضاعتي في صورة تسويقية لائقة وتتماشى مع فنيات التسويق الالكتروني التي كانت جديدة على السوق أنذاك”

يعمل محمد بلال في مجال بيع الأواني الإكسسوارات المنزلية التي تعتبر من أهم المنتجات التي تشهد رواجا واهتماما من لدن البيت الموريتاني، غير أن البيت الموريتاني لم يكن قد ألف هذه السوق بعد، ومن ذلك توجهنا بالسؤال إلى الخبير الاقتصادي الحسين محمد عمر حول التحولات الاقتصادية التي شهدتها موريتانيا في فترة كوفيد19، من ناحية تحول السوق من سوق تقليدي نمط البيع والشراء ميداني وفي الأسواق، إلى تجارة إلكترونية افتراضية، وهل ساهم هذا التحول في إنعاش الاقتصاد الموريتاني أم ساهم في ركوده؟ و هل تقبل المواطن الموريتاني فكرة البيع والشراء الالكتروني؟
فأجابنا قائلا:
“تعتبر موريتانيا سوقا نائشة في مجال التجارة الألكترونية، صحيح أنها كانت موجودة قبل كوفيد 19 ، لكن بشكل خجول، إلا أن فرض تلك القيود المصاحبة للجائحة ساهم في نمو هذه التجارة شيئا ما. لكن تبقى هناك قيود كثيرة تحد من التأثير الاقتصادي للتجارة الالكترونية على الاقتصاد الموريتاني غير المرن.
فأولا – يبلغ عدد السكان في موريتانيا تقريبا 4.7 مليون نسمة ، يعيش منه 55.7٪ من في المراكز الحضرية ، حيث قوة الأنترنت والوعي باستخدامها في تلبية بعض الحاجات، وبشكل كبير ينحصر مجال هذه التجارة في نواكشوط ونواذيبو بشكل أقل، أما بخصوص مستخدمي الأنترنت فيبلغ عددهم التقريبي 1.56 مليون مستخدم 2021 (أي ما يمثل 33% من سكان موريتانيا) وستقل النسبة إذا ما طبقناها فقط على سكان نواكشوط ونواذيبو
ثانيا – يمكننا التفريق بين نمطين من انتشار التجارة الالكترونية في موريتانيا، النمط الأول ” ت .أ ” على وسائل التواصل الاجتماعي والثاني ” ت.أ ” عبر المواقع الإلكترونية ، و أعتقد أن الأكثر انتشارا هي التجارة عبر ” مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها ” خاصة بعد كوفيد 19، حيث منع التنقل وانتشار استخدامها لملإ الفراغ.
وحسب آخر تقرير للأونكتاد UNCTAD فإن موريتانيا تحتل مرتبة متأخرة في التصنيف العالمي في قطاع التجارة عبر الإنترنت (145 عالميا).
بالنظر إلى أن التجارة الألكترونية في موريتانيا تنحصر في مجملها حول المواد الكمالية بدرجة أكبر مثل السيارات والهواتف والوجبات الجاهزة وغيرها من الأمور التي لا تشكل إضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل فعال، وبالنظر أيضا إلى أن مستخدمي الانترنت لا يشكلون نسبة كبيرة (33%) قد تساهم في تحريك السوق وتنحصر أساسا في أكبر مدينتين موريتانيتين، فإنه يمكننا القول إن التحولات المصاحبة لكوفيد19 قد ساهمت في إنعاش الإقتصاد الموريتاني لكن بشكل طفيف جدا يكاد لا يكون ملموسا فمجالاتها لا تمثل قيمة مضافة للناتج المحلي الاجمالي.
لقد بدأ المواطن الموريتاني في تقبل فكرة البيع والشراء الالكتروني، خاصة أن المجتمع الموريتاني يتميز في معظمه بالخمول وعدم النشاط والحركية ، في حين تسهل التجارة الالكترونية ذلك من خلال وصول طلباتك إلى منزلك، لذلك هو متقبل للفكرة، يساعد في ذلك حب إظهار المستوى المادي، بالإضافة إلى تجربة أمور جديدة لم تكن معروفة لديه”

عطفا على ما ذكره الإقتصادي الحسين عمر، يقول محمد بلال: “شخصيا استفدت كثيرا من السوق الالكترونية خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، فقد جنيت أرباحا كثيرة من خلالها، وتخليت تدريجيا عن نمط البيع التقليدي لما فيه من اجحاف اقتصادي بدء بإيجار محل ودفع الفواتير والضرائب، ويمكن القول اليوم أن الفئة المستهدفة بأي نمط من البيع والشراء موجودة على وسائط التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك وتيك توك وسناب شات وإنستغرام، وبدل انتظار قدومها إليك اعرض عليها بضاعتك مباشرة وزد على ذلك بخدمة التوصيل التي من شأنها مضاعفة أرباحك، أعتقد أن المستقبل للتجارة الألكترونية في ظل الطفرة التي يشهدها العالم على أكثر من صعيد ومن المهم أن يدرك العاملون في مجال التجارة ذلك”

رغم الرواج الذي لقيته السوق الالكترونية مؤخرا، فإن اشاكالات من قبيل الأمان وجودة المنتج والرقابة الصحية والإلتزام الأخلاقي(أخلاق العمل) لدى التاجر أمور من بين أخرى تجرح نفسها على المستهلك الموريتاني في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة عالميا وبشكل عام، ووطنيا على وجه الخصوص.

محمد محمود محمد البشير
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى