الفن التشكيلي..من التعبير الحر إلى التحسيس الموجه ضد كوفيد19
دأبت الفنون منذ نشأتها على أن تكون وسيلة الشعوب للتواصل دون لغة, كما صارت أداتها لمقاومة الخوف الذي أصبح ملازما لواقع معظم شعوب العالم منذ ظهور فيروس كوفيد 19, المطارد للأرواح, ودفعه للأفراد والجماعات إلى ملازمة منازلهم والمكوث فيها.
لقد وظف الإنسان الفنون للتغلب على خوفه والتحسيس حول المخاطر المحدقة به من خلال العزف على أوتاره أو الرسم بريشة ألوانه, في هذا السياق كان حضور حضور الفن ضمن آليات التحسيس حول مخاطر الجائحة, وخطر التقاعس عن الالتزام الكلي بالإجراءات الاحترازية المقترحة من طرف الجهات الصحية.
سيدي امبارك (25 سنة) فنان تشكلي انبرى هو وممجموعة من الفنانين التشكيليين المنخرطين معه ضمن جمعية المواهب الشبابية في موريتانيا للتحسيس ضد الجائحة من خلال الريشة والألوان, بأساليب تجمع بين التبسيط المطلوب في حملات التحسيس والعمق الذي يفرضه الفن التشكيلي على ممتهنيه, يقول سيدي امبارك في هذا السياق: “منذ بداية الجائحة بدأنا بإعداد لوحات توعوية تحمل أفكارا حول مخاطر الفيروس وطرق انتشاره, وحث الناس على ارتداء الكمامات وتطبيق التباعد الاجتماعي, واقتناء المعقمات الطبية, ورغم أن جمهور الفن التشكيلي في موريتانيا يكاد يكون قليلا جدا مقارنة بالفنون الجميلة الأخرى, إلا أن هذه اللوحات وفي ظرف وجيز استطاعت أن تصل إلى أبعد مدى ممكن من خلال مشاركة الناس لها وتفاعلهم الإيجابي معها, وهو ما يمكنني أن أعتبره تحقيقا للدور المنوط بها, وهو خلق وعي صحي حول مخاطر كوفيد 19″
وعن دور الفن التشكيلي في التوعية والتحسيس يقول سيدي ” إن دور الفن التشكيلي في التوعية والتحسيس هو دور كبير وبناء في عموم مدارس الفن التشكيلي, لأن هذا الفن كمدرسة إبداعية يتناول عموم الاهتمامات الإنسانية بتعدد مدارسه, وعلى المستوى الوطني وفي فترة ذروة كوفيد 19 ظهرت جداريات تشكيلية تحمل رسائل توعوية فنية من صنع فنانين تشكيليين موريتانيا, ونحن في جمعية المواهب الشبابية الموريتانية أنتجنا عديد هذه اللوحات سواء على المستوى الفردي أو الجماعي كغيرنا من الجمعيات والفنانين).
يعتقد سيدي أن هذه اللوحات التي تم إعدادها لتكون لوحات توعوية كانت لوحات مبسطة وفي متناول فهم الجميع مع ذلك يضيف “رغم بساطة هذه اللوحات وسهولة فهمها إلا أننا واحتياطا قمنا بإرفاقها بنصوص توضيحية تشرح المغزى والأفكار التي حملتها اللوحات, بالرغم من أن الشرح في الفن التشكيلي مبتذل ويفقد الفن التشكيلي غموضه, فبدل أن يرفع الناس إليه, ينزل إليهم واضحا ومبسطا, كل ذلك في سبيل خلق وعي صحي إزاء مخاطر كوفيد 19”
حنان عثمان(22 عاما) فنانة تشكيلية هاوية كانت تجد فرصتها في المعارض الفنية لعرض لوحاتها في المعارض المنظمة في نواكشوط ومع ظهور كوفيد وغلق المعارض, اتجهت حنان إلى إعداد لوحات متعلقة بالظرفية وعرضها على منصات التواصل الاجتماعي, تقول حنان: ” لا شك أن فترة ظهور كوفيد 19 كانت صعبة على الجميع بما في ذلك الفنانين التشكيليين, وكان الجميع يحاول التعبير عن نفسه بالطرق المتاحة له, ومع غلق المعارض الفنية على قلتها, إضافة طول وقت البقاء في المنزل اتجهت إلى رسم لوحات حول مخاطر كوفيد 19 وتحديات العيش في ظروف صعبة كهذه, ولأن الفن طبيب الحضارة كما يقال كان لابد من وجود لمسة من الفن التشكيلي تساهم في الحملات المقام بها للتحسيس حول مخاطر هذا الفيروس والأضرار الصحية والاقتصادية المتعلقة به, بالنسبة لي كانت ظروف الإغلاق فرصة لأعرض موهبتي في الفن التشكيلي على الفيسبوك والأنستغرام واكتساب جمهور, ومن ثم التأثير على هذا الجمهور من خلال توجيه لوحاتي إلى التوعية الصحية, وأعتقد بأني نجحت في ذلك من خلال هذا الجمهور الذي بنيته من خلال مزاولتي للفن التشكيلي على وسائل التواصل الاجتماعي”
بين التبسيط الذي تتطلبه المحتويات التحسيسية كي تصل لأكبر عدد ممكن من المستهدفين, والتعقيد والغموض الذي يعتبره بعض الفنانين التشكيليين ضرورة من ضرورات نخبوية الفن التشكيلي باعتباره فنا يستهدف النخب, حاول الفنانون التشكيليون الموريتانيين المساهمة في عمليات التعبة والتحسيس حول مخاطر كوفيد 19 ووضع حد لانتشاره, لما في ذلك من مخاطر الصحة العمومية, من خلال استهداف جمهور الميديا واللوحات المرسومة على الجدران أو على لافتات الشوارع العمومية.
محمد محمود محمد البشير
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .