ذوي الاحتياجات الخاصة والحق في التعليم.. عقبات وتحديات

“لم تكون إعاقتي البصرية لتكون في يوم من الأيام عقدة بالنسبة لي، بل العكس كانت دائما حافزي لأندمج في الحياة العامة رغم العراقيل العديدة التي اعترضتني في هذا الصدد، خاصة العام الماضي حين قررت إجراء مسابقة ختم الدروس الإعدادية، والتي استطعت فيها النجاح بتفوق” هكذا تستهل سالمات عمر صو(18 عاما) الحديث عن العراقيل التي اعترضتها في مجال التعليم، كفتاة ولدت بإعاقة عدم الإبصار.

لم تكن الإعاقة يوما حاجزا أما سالي_ كما تقول_ في سبيل تحقيق حلمها الذي يبدأ بالجلوس على مقاعد الدرس والحصول على أدوات المعرفة من أجل العبور إلى ذروة هذا الحلم، المتمثل في أن تصبح “قابلة” في المستقبل.

واجهت عراقيل عديدة خاصة حين شاركت العام الماضي في مسابقة ختم الدروس الاعدادية، وكانت أولى هذه العراقيل، أنه لا توجد مدارس حكومية خاصة بالمكفوفين، بالإضافة إلى حاجتها إلى دروس تقوية منزلية، وهي حاجة لبتها إحدى الجمعيات المنشغلة بمجال التعليم في المنطقة التي تقطن بها سالي.

في بداية امتحان مسابقة ختم الدروس الإعدادية صدمت سالي بالطريقة التي تمت معاملتها بها، من خلال الطعن في حقيقة كونها مكفوفة، وفي هذا الصدد يصرح لنا والدها عمر صو (65 عاما) قائلا:
” لا يوجد في أسرتنا أي تمييز بين الرجال والنساء، أو بين من يعاني إعاقة من أي نوع و من هو سليم معافى، لذلك كان أمر إلحاق سالي بالتعليم أمرا حتميا، وبدعم منا جميعا، غير أني شعرت بنوع من الانزعاج في اليوم الأول من مسابقة ختم الدروس الإعدادية، حيث حاول المشرفون على المسابقة في إعدادية الميناء منع سالي من الحصول على مساعدة شخص ما في كتابة أجوبتها، وهو ما اضطرني إلى الاتصال بشخص من وزارة الصحة، ليؤكد للمراقبين أنها شخص كفيف فعلا، تصورو معي أن فتاة أخرى في مثل ظروف سالي ولم تتوفر لها فرصة مماثلة كهذه، هل كان سيضيع مستقبلها لأن مراقبا أو حارس مؤسسة ما منعها من الدخول للإجراء الامتحان فقط لكونه يشك في طبيعة إعاقتها، له أضرار كثيرة على مستقبل الطفل وعلى حالته النفسية، إن مجرد التفكير في الأمر مزعج حقا”

توافق النظام التربوي الموريتاني مع متطلبات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والحقوق الطبيعية للإنسان التي نصت عليها مواثيق حقوق الإنسان، خاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، جوانب تطل برأسها في مثل هكذا قضايا، وهو ما تطلب منا التواصل مع إحدى المنظمات الحقوقية العاملة في مجال التعليم.
الأستاذ إبراهيم بلال رمظان أستاذ ثانوي ورئيس هيئة الساحل للدفاع عن حقوق الإنسان ودعم التعليم يصرح لنا قائلا: ” ليس في تعليمنا العمومي و لا الخصوصي أي شيء يناسب ذوي الاحتياجات الخاصة. لا من ناحية البنى التحتية حيث أصبحت البنايات من عدة طوابق و يستخدم فيها فقط السلم العادي
و لا حتى مداخل الطوابق الأرضية فهي مرتفعة و غير مناسبة لحالة العجز الحركي
.كذلك ليس في مناهجنا أي وسيلة لتبليغ الصم و لا يوجد أي أثر للأوبريت الذي يمكن العمي من القراءة، مما يعني أنه ليس هنالك أي استعداد في مدارسنا لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة.
كما أنه لا وجود لمدارس خاصة بهذه الفئة، كل ما هناك هو محاولات خاصة بجمعيات المكفوفين لكنها محدودة الفائدة و لا تمتلك وسائل تمكنها من الاستمرار رغم أنها في الماضي أعطت نتائج و خرجت مكونين منهم محمد سالم واد البوه و غيره.
إن علاقة موريتانيا مع المواثيق الدولية علاقة سيئة، ففي كثير من الأحيان لا تتردد الحكومة في التوقيع و الانضمام للإتفاقيات و لكن التطبيق و الالتزام ليس من عادتنا للاسف.
وفي هذه الحالة صادقت الحكومات على المواثيق الدولية المتعلقة بالاشخاص ذوي الاعاقة لكنها لم تهيئ لذلك أي شيء
و هي إذا في وضعية نكث للعهد في هذا المجال”

معضل تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة ذو أبعاد قانونية وحقوقية صرفة، لذلك طلبنا رأي المحامي والخبير القانوني الأستاذ اعل الشيخ الصابر الذي صرح لنا قائلا: “رغم تأكيد الدستور الموريتاني في مادته الأولى على المساواة بين المواطنين دون أي تمييز، ورغم التقدم المحرز في ما يتعلق بترقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من الناحية القانونية منذ 2006 إلى اليوم، لا تزال هناك تحديات جمة أمام تعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي مقدمة تلك الحقوق ولوج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة إلى التعليم بالتساوي مع أقرانهم الأصحاء.
فمن الملاحظ أن مدارس ذوى الاحتياجات الخاصة قليلة جدا، رغم ان هذه الفئة من المجتمع تتجاوز 1‎%‎ وهي نسبة كبيرة.
المشكلة بالنسبة لمدارس ذوي الاحتياجات الخاصة هي أنها ليست جزءً من النظام التعليمي الوطني، بل هي أقرب إلى مراكز تكوين وتأهيل.
لذلك من الضروري أن تكون هنالك إستراتيجية وطنية للتعلم الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة، تأخذ في الحسبان القدرات المختلفة لذوى الاحتجاج الخاصة، وكذلك جميع مراحل التعليم (روضة، ابتدائية، ثانوية، جامعي).
وذلك من أجل موائمة التحصيل العلمي لذوي الاحتياجات الخاصة و سوق العمل.
القانون المتعلق بترقية وحماية الأشخاص ذوي الإعاقة الصادر سنة 2006، نص على أنه “يجب ألا تمثل الإعاقة ذريعة لحرمان شخص ذو احتياج خاص، من العمل في القطاعين العام والخاص”.
كما يجدر التنبيه إلى أن موريتانيا صادقت منذ العام 2012 على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري، وهي إتفاقية تجعل مسألة التعليم والعمل لذوي الاحتياجات الخاصة أولوية بالنسبة للدول الاعضاء في هذه الاتفاقية”

رغم مصادقة الحكومات الموريتانية على القوانين المتعلقة بتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى نص القانوني الصريح الذي نصت عليه النظم القانونية الموريتانية، والقاضي بمنع كل ما من شأنه أن يجعل الإعاقة سببا في حرج شخص ما ناهيك أن تكون عائقه في التعليم أو العمل، إلا أن التعليم الموريتاني وهو يفتتح هذا العام بمقاربة “المدرسة الجمهورية” ما زال يفتقر لمقاربة واضحة تضع نصب عينيها الاحتياجات الضرورية لذوي الاحتياجات الخاصة.

محمد محمود محمد البشير

تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى