العنف ضد الأطفال : آثار نفسية واجتماعية

يعتبر العنف والتهديد من أشد أنواع المعاناة التي يمكتن أن تعترض الإنسان، وأخطر أنواع الأذية له في عصر كعصرنا الحاضر, حيث انتشار قيم و مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتزايد الحديث عن قدسية حرية الإنسان وعن حقه في أن يعيش الحياة التي يختارها، وحقه في حياة كريمة دون عنف بينه وبين الآخرين.

صحيح أنه يبدو ظاهريا أن الديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم التسامح قد تغلبت على العنف منذ أن أحرز هذا الإنسان انتصاراته الكبرى في العصر الحديث على الظلم والعبودية والاستبداد، ولكن الحقيقة غير ذلك، إذ ما يزال العنف كامنا في النفوس حتى في تلك البيئات التي يبدو فيها كأمر عادي،
فالعنف ينمو من المحيط ضيق للطفل ليكبر معه في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية تنعكس نفسيا على الطفل ويعيشها كفرد،
وينتشر كلما ازداد الجهل و التهميش وانقطعت فرص الاتصال والتواصل بين الطفل والعائلة ويزداد الخوف وانعدم الأمن بالنسبة له.

يحكي محمد عن معانته مع العنف فيقول: أصطحبتني أمي إلى المحظرة، وعند وصولنا رأيت شجرة معلقا عليها بعض السلاسل، أوجست خفية، ثم قلت في نفسي لا هذا لا يخص الطلاب هنا، أنهت أمي دورها وذهبت، وبقيت انا في منزلي الجديد.
أمضيت هنالك أشهرا حاولت خلالها التأقلم مع البيئة الجديدة، حيث كنت أذهب إلى أسرتي أيام العطل فقط.
ماعايشته هناك في المحظرة بقى معي حتى الآن، فالعنف ليس معطى جديدا أو طارئا على البنية الاجتماعية في مجتمعنا ويعتبر حدثا عاديا، لتربية الأطفال، بل تسود في أوساطنا مقولة مأثورة تفيد بأن الطالب الذي لا يتعرض للضرب على دروسه لن يحفظها سريعا.

“لقد كنت أهرب من المدرسة بشكل يومي لأن زملائي يستهزؤن بي، كما كنت في المنزل أسمع أن أخي أفضل مني لذلك أهملت دراستي” بهذه الكلمات يستهل يوسف حديثه معنا عن معانته مع مقاعد الدرس ويضيف : لقد كان المعلم يضربني لأني لم أقم بواجباتي، وكنت أخاف كلما تذكرت أني سأتعرض للعقاب في المنزل لذات السبب، فلم تكن هناك بئة حاضنة لي، لذلك أصبحت أعمل في محل لإصلاح السيارات، كان صاحبه بمثابة الأب لي، حيث أعارني كامل اهتمامه ورعايته.
صحيح أنني نادم جدا على غيابي عن المدرسة، ولكن حين أذكر تلك المعاملة والرهاب الذي عشته في المدرسة أحمد الله على تسربت ”

يقول الطبيب النفسي خليفة كويتا: أن مؤسساتنا التعليمية تعيش في وسط ومحيط قمعي – رمزيا – قائم على الضبط والصرامة والوهم و الخداع والتهميش وإنتاج اللا مساواة مع الادعاء على نفسها بالموضوعية والنزاهة والرشاد والصواب والحكمة.
يتمرد التلاميذ على العنف والكبت مما يدخلهم في صمت غير طبيعي ويدفع بعضهم إلى الانسحاب والتراجع إلى الوراء في غياب الانضباط داخل الفصل أو خارجه, وفي كل مرافق المدرسة.
إن انتشار الفوضى و اللا نظام في المؤسسة يعني أن هناك مقاومة ورفضا من قبل التلاميذ ,هذا الرفض في تجلياته أفرز ثقافة العنف والتخريب، تخريب التجهيزات والممتلكات بل حتى البرامج الدراسية للدفاع عن استقلالهم الذاتي لكنهم ليسوا قادرين عن تغيير التربية في صالح حريتهم البناءة, فهم يوغلون أكثر فأكثر في العنف والتخريب أو يغرقون أكثر فأكثر في صمت عميق ومريب أو يتعاطون أكثر للمخدرات أو ينزاحون إلى الخلف فيتسرب إليهم وهم الفشل والإقصاء، في ظل مناخ غير متسامح وغيرمحتضن لا يشعر فيه التلميذ بالأمن ولا يشجعه على السؤال والتحدي وفي ظل غياب دور رقابي للأسرة في الأوساط الأكثر هشاشة فيكون الأطفال أكثر عرضة للإنحراف والعنف ”

لقد صاغ علماء السلوك الاجتماعي آليات مختلفة من الشخصية للربط بين الخصائص الشخصية وردود الأفعال العنيفة, حيث ترى الباحثة الاجتماعية في مركز مبدأ فايزة التاه أن “الإحباط هو السبب الرئيسي للعنف و هو يؤدي دائما إلى زيادة التعصب العنيف, كما أن الأسرة تلعب دورا أساسيًا في ذلك حيث يعاملون الأطفال بالتفاوت في المرتبة فيصبح لديهم قدر كبير من التوتر والقلق مما يدفعهم للبحث عن كبش فداء ليتحمل مسؤولية إحباطهم وقد تكون النفسية ناتجة عن تفكك عائلي أو تعطش للحنان، وقد تكون اجتماعية ناتجة عن ضعف مستوى العيش.

كثيرا من الأفراد والمتعلمين يعانون مشاكل عنيفة قاسية في بيئتهم وبين أسرهم وليس هناك من يستطيع أن يزيل عنهم أعباء هذه المشاكل التي تولد لديهم الضغوطات النفسية والبدنية فتعطل قدراتهم على تحديد أولوياته و ترتيبها , لان التفكير والتذكر يتأثران بشكل سلبي تحت الضغوطات النفسية
لذا لابد أن ندرك جميعا أننا نستجيب للتهديد والتخويف بشكل مختلف, فالبعض قد لا يكترث به مهما كان الموقف . والبعض الآخر يتفاعل معه ويعتبره تحديا يجب مواجهته ببسالة وبعضهم يعتبره أمرا مهددا للبقاء ومحطما للحياة”

ويرى أستاذ التعليم الأساسي محمد فال أن “المدارس لها دور كبير في حماية الطفل من العنف لكن بعض المدارس تعرضه للعنف كالعقاب الفردي والضرب والشتم اللفظي وغيرها من أساليب العقاب التي توجد في المدرسة مما يولد سلوكا عدائيا لدى الاطفال، على المعلم أن يكون قدوة ويتسم بالأخلاق ليتصرف تلميذ مثله، ويكون ملهما له كما أن المدرسة ليست سوى شريك وعلى الأسرة أن تعرف مايمر به التلميذ سواء في المحظرة أو المدرسة وأن لا تتركه بدون رقابة فأحيانا يتعرض التلميذ للتنمر و الإستهزاء من زملائه وهنا يأتي دور المعلم و الأسرة كما أن هنالك فعلا حلات عنف لا يمكن تبريرها بشيء، لكن هذا أيضا لا ينفي مراقبة التلميذ و إمساكه ليصل إلى الطريق الصحيح، يجب نشر الوعي والتعريف بمخاطر العنف ضد الأطفال وتفعيل القوانين الرادعة لذلك”.

مريم إبراهيم
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى